رأي

قراءة حقوقية في الخطاب الملكي لعيد العرش 2025: بين قوة التشخيص وضرورة الالتزام بالفعل

قراءة حقوقية في الخطاب الملكي لعيد العرش 2025: بين قوة التشخيص وضرورة الالتزام بالفعل

• بقلم: إدريس السدراوي

• رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان

في خطابه السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، قدّم جلالة الملك محمد السادس، كالعادة، تشخيصًا دقيقًا وشفافًا لحالة الأمة، مركزًا هذه السنة على الفوارق المجالية والاجتماعية، وأهمية ترسيخ العدالة المجالية وتكافؤ الفرص، في خطاب حمل في طياته جرأة في الطرح، لكنه – من منظور حقوقي – يُحتِّم علينا التوقف عند نقاط أساسية تعكس التحديات الكبرى أمام مغرب الحقوق والمواطنة.

أولًا: مغرب بسرعتين.. تشخيص ملكي يستوجب فعلًا حكوميًا حازمًا

حين يُقِرّ الملك نفسه بوجود “مغرب بسرعتين”، فهو يُعطي مشروعية إضافية لكل الأصوات التي ما فتئت تحذر من تهميش الهامش، وإقصاء القرى والمناطق الجبلية والداخلية من ثمار التنمية. لكن رغم وضوح هذا التشخيص، فإن السياسات الحكومية المتبعة لا تزال قاصرة عن مجاراة هذه الرؤية الملكية، بل وتُمعن في تكريس منطق الفوارق، عبر مشاريع غير منسجمة وتدبير مرتجل للبرامج الاجتماعية، بما يجعل الفصل 31 من الدستور – الذي يُلزم الدولة بتمكين المواطنين من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية – في وضعية انتهاك مستمر.

ثانيًا: أرقام تنموية.. ومواطنون خارج المعادلة

صحيح أن الخطاب أشار إلى تراجع نسبة الفقر إلى 6.8%، لكن هذه النسبة لا تعكس واقع المعيش اليومي، في ظل موجات غلاء الأسعار، وتفاقم البطالة، وتدهور القدرة الشرائية، بل إن فئات واسعة لم تعد تثق في المعطيات الرسمية، نتيجة غياب أثر فعلي لهذه الأرقام على ظروف عيشها. وهنا تبرز الحاجة إلى سياسة اجتماعية تستند إلى المقاربة الحقوقية لا إلى الحسابات التقنية الضيقة.

ثالثًا: غياب قضايا الحريات وحقوق الإنسان.. ملاحظة مثيرة للقلق

من اللافت أن يخلو الخطاب من أي إشارة إلى قضايا الحريات العامة، في وقت يعرف فيه المغرب تراجعات ملموسة في هذا المجال، من متابعات قضائية على خلفية الرأي، إلى تقييد العمل الصحفي، والتضييق على بعض أشكال الاحتجاج السلمي. فالتنمية الحقيقية لا يمكن فصلها عن مناخ ديمقراطي يحترم التعددية ويضمن حرية التعبير، والصمت عن هذه القضايا في خطاب العرش يفتح الباب أمام تأويلات غير مطمئنة حول موقع الحقوق والحريات في سلم أولويات الدولة.

 

رابعًا: الانتخابات القادمة.. الحاجة إلى تجويد حقيقي لمراقبة الانتخابات

 

دعا الخطاب إلى الإعداد الجيد للاستحقاقات التشريعية لسنة 2026، وهي دعوة إيجابية، لكنها تصطدم بواقع قانوني ومؤسساتي لا يزال يحدّ من فعالية الرقابة على الانتخابات. إن تجويد مراقبة الانتخابات لا يعني فقط استدعاء المراقبين، بل يتطلب:

• تمكين الهيئات الحقوقية الجادة والمستقلة من ممارسة دورها الرقابي.

• تعزيز استقلالية مؤسسات الإشراف.

• توسيع صلاحيات المراقبين المحليين والدوليين، وضمان ولوجهم لجميع مراحل العملية الانتخابية.

• تأمين الحماية القانونية لهم ضد كل أشكال الضغط أو التضييق.

 

وفي هذا السياق، نحمّل الحكومة مسؤولية عدم التفاعل الجاد مع مضامين الخطب الملكية، بل ونسجل بقلق أن الفجوة تتسع عامًا بعد عام بين الرؤية الملكية وبين الأداء التنفيذي الباهت.

 

خاتمة: خطاب يشخّص جيدًا.. لكن التغيير يتطلب إرادة سياسية ومحاسبة فعلية

أثمن كحقوقي مضامين الخطاب فيما يخص العدالة المجالية والبعد الاجتماعي، وندعو إلى تحويل هذه الإرادة الملكية إلى التزام فعلي، عبر:

• مراجعة السياسات العمومية وفق مقاربة قائمة على حقوق الإنسان.

• وضع آليات مستقلة لتتبع تفعيل التوجيهات الملكية.

• إقرار ربط فعلي للمسؤولية بالمحاسبة، لا سيما في البرامج التنموية التي تموَّل من المال العام.

• إدماج الحريات العامة ضمن مقاربة التنمية، لأن الديمقراطية ليست ترفًا، بل رافعة أساسية لأي نموذج تنموي منصف.

إن مغربًا بدون فوارق، وبدون مغربين بسرعتين، يمر حتما عبر دولة تضع الإنسان في قلب السياسات، وتحترم حقوقه، وتفتح المجال لمجتمع مدني حر ومؤثر، وليس مجرد شاهد على تكرار الوعود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى