الخبر اليقين

لماذا السياسة الخارجية مجال محفوظ للملك؟ أو “لو سكت من لا يعلم”

لماذا السياسة الخارجية مجال محفوظ للملك؟ أو “لو سكت من لا يعلم”

عبد الفتاح نعوم

من يعتبر أن الخارجية مجرد قطاع مثله مثل باقي القطاعات الوزارية الأخرى، بدليل أن ما يسري على باقي الوزراء دستوريا يسري على وزير الخارجية أيضا، من تعيين وإعفاء وانتماء للمجلس الوزاري، فليقل لنا أي من الوزارات تتواجد كل تمثيلياتها الفرعية خارج المغرب، ولا يوجد لها ولا مندوبية واحدة داخله؟، والأنكى من ذلك أن ممثلي كل الوزارات في الجهات والأقاليم يتم تعيينهم من طرف الوزراء فقط، في حين أن من يمثلون الخارجية هم سفراء يعتمدهم الملك، ويسمون “سفراء جلالة الملك”، وعبرهم تمر الزاما كل تعاملات المغرب مع كل دول العالم، إضافة إلى أن سفراء الدول الأخرى الذين يقومون بنفس الدور التمثيلي السيادي لبلدانهم، أيضا يُعتمدون دستوريا لدى الملك، بعد أن يعتمدهم رؤساء دولهم.
قد يقول قائل إن للداخلية أيضا ممثلون على رؤوس الأقاليم والجهات، هم العمال والولاة أيضا يُعينهم الملك، فلماذا لا يتصدى الديوان الملكي أيضا للأحزاب التي تنتقد أداءهم أو آداء وزير الداخلية؟، نقول لهذا الرأي أن ممثلي الداخلية يتعاملون مع الفاعلين المحليين والوطنيين وفي مقدمتهم الأحزاب، أما ممثلو الجهاز الدبلوماسي (أكرر: الذين يعتمدهم الملك) فإنهم يعملون في إطار قانون دولي دبلوماسي وقنصلي، ويرتبطون باتفاقيات او معاهدات للملك دستوريا صلاحية عقدها او إلغائها، وبالتالي فكل مجال عمل السياسة الخارجية وأداتها الرئيسية المتمثلة في الجهاز الدبلوماسي والقنصلي، هو مجال يرتبط بادارة العلاقات الدولية للمغرب، وهو مجال من شأن إساءة التصرف فيه أن تؤدي إلى أوضاع تبدأ بالخلافات مع الدول الأخرى أو تهديد الاتفاقات بالانهيار وقد تصل إلى حالة الحرب التي لا يجادل عاقل في أن قرارها أيضا حصري للملك بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية.
فكل الغرابة إذن هي أن يترك بعض المعلقين كل هذا جهلا أو تجاهلا، ويسألون أين “كلمة السياسة الخارجية مجال محفوظ للملك في الدستور؟”، ذلك أن الحماقة أعيت من يداويها ولو سكت من لا يعلم لقلَّ الخلاف. ومن نافل القول طبعا تبيان التداخلات القطاعية بين كل القطاعات الأخرى وقطاع الخارجية. حيث أن الدبلوماسية لا تمارس من أجل الدبلوماسية، وإنما لتقوية مصالح الدول في الاقتصاد والتعليم والثقافة والأمن والصحة وباقي القطاعات، وكذا ليس ضروريا أن استطرد لأوضح أن كل تلك القطاعات حينما يتعلق الأمر بالتعاون الدولي تصطف وراء السياسة الخارجية وأولوياتها ولا معنى لها خارج وجود الاتفاقيات الدولية، وذلك بقدر ما أن أهم عناصر السيادة التي ترتبط بالإقليم والسكان والسلطة، لا تجد ترجمتها الفعلية في القانون الدولي إلا في إدارة العلاقات الدولية لدولة معينة، حيث لا يمثل الدول لدى بعضها البعض سوى رؤساؤها أو من يمثلهم في الجهاز التنفيذي أو سفراء الرؤساء سواء أكانوا ملوكا أم رؤساء منتخبين.
وفضلا عن كل هذا فإن الخوض في أمور العلاقات الدولية للمغرب او لأي دولة، من طرف حزب تقلّد بالأمس القريب مسؤولية رئاسة شؤون الحكومة والخارجية أيضا، ومايزال موجودا ضمن مؤسسة البرلمان، قد يفهم منه شركاء المغرب موقفا معينا، ولذلك نجد دائما الديوان الملكي أو وزارة الخارجية او حتى الملك شخصيا يردون على تدخلات هكذا فاعلين حينما يتعلق الأمر بالشؤون الخارجية، في حوادث مزوار وشباط وبنكيران، فحينما تتضرر مصالح المغرب الخارجية أو تتعرض للتشويش لن يتحمل هؤلاء مسؤولية إعادتها إلى وضعها الطبيعي، بل سنجد جلالة الملك يتدخل شخصيا ويجري الاتصالات مع رؤساء الدول ليعيد الوضع إلى نصابه.
ولذلك أيضا لا نجد موقفا للدبلوماسية الرسمية اتجاه أي فاعل آخر لا تنطبق عليه تلك الأوصاف، فمن حق كل الفاعلين الآخرين سواء أكانوا إعلاميين أو باحثين أكاديميين أو حتى تنظيمات جمعوية أو سياسية أو أحزاب قررت العمل خارج المؤسسات، وسواء أكانت تفاعلاتهم تندرج ضمن دبلوماسية موازية للدبلوماسية الرسمية أم كانت معارضة لها، فهذا وذاك هما شيء آخر، لا علاقة له بالبواعث القانونية والسياسية التي ارتبطت بحالات بنكيران ومزوار وشباط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.