رأي

لوموند بين الشعبوية والسيادة: كيف فقدت الصحافة الفرنسية رصانتها في المغرب

لوموند بين الشعبوية والسيادة: كيف فقدت الصحافة الفرنسية رصانتها في المغرب

بقلم سيداتي بيبدا

أثارت صحيفة لوموند الفرنسية غضبًا واسعًا في المغرب بعد نشرها مقالات حاولت رسم صورة قاتمة عن الملكية المغربية تحت عنوان مثير: “أجواء نهاية عهد محمد السادس”. مثل هذه الصياغات ليست مجرد عناوين صحفية، بل هي انزلاق واضح نحو خطاب شعبوي يتدخل بشكل مباشر في سيادة دولة مستقلة، ويحوّل العمل الصحفي إلى أداة ضغط سياسي فاقدة للمصداقية. إن ما صدر من مثل هذه الخطابات يعد خرقًا صريحًا للقانون الدولي ومساسًا بمبدأ السيادة الوطنية الذي يشكل حجر الزاوية في العلاقات بين الدول. فميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية (الفقرة 7) ينص على أنه “ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما”، ما يوضح أن التدخل في شؤون المغرب الداخلية عبر الصحافة الأجنبية يُعتبر مساسًا بالسيادة. كما يؤكد القانون الدولي العرفي ومبادئ عدم التدخل، التي أيدتها محكمة العدل الدولية في قضية “نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة” سنة 1986، على أن أي تدخل في القضايا الداخلية لدولة ذات سيادة يشكل انتهاكًا خطيرًا للمعايير الدولية.

لقد اعتاد القراء عبر عقود أن ينظروا إلى لوموند باعتبارها صحيفة مرجعية عُرفت بتحليلها الرصين وخطابها الموجه للنخب، غير أن ما نُشر مؤخرًا يضعها في خانة الإثارة الإعلامية التي لا تختلف كثيرًا عن الصحف الصفراء. فبدلًا من الاستناد إلى أرقام ودراسات وشهادات موثوقة، اعتمدت الجريدة على صور عابرة وتأويلات سطحية ومصادر مجهولة لتبني عليها أحكامًا كبرى عن حاضر ومستقبل المغرب، وهذا يتناقض مع أسس الصحافة المهنية ويكشف عن ازدواجية في المعايير بين تغطيتها للشأن الأوروبي وتناولها لقضايا المغرب.

على المستوى الوطني، ينص الدستور المغربي لسنة 2011 في مقدّمته على أن المملكة المغربية “دولة موحدة لا تتجزأ”، ويؤكد على حماية الوحدة الوطنية والترابية، كما يمنح الملك بصفته الضامن لوحدة الأمة الحق في اتخاذ جميع التدابير اللازمة للتصدي لأي مساس بهذه الوحدة. كذلك ينص القانون الجنائي المغربي في الفصل 190 على أن “المساس بالسلامة الداخلية للمملكة يعد جريمة ضد أمن الدولة”، مما يضع أي محاولة لتشكيك في الشرعية الوطنية أو التدخل في الشؤون الداخلية تحت طائلة القانون.

إن الشعب المغربي يدرك جيدًا قيمة مؤسساته واستقرار بلده، ولن يسمح لأي منبر إعلامي، مهما كان تاريخه، أن يعبث بثوابته أو يشكك في شرعيته. وإذا كانت لوموند قد بنت سمعتها على المهنية والرصانة، فإنها اليوم تفقد هذه الميزة حين تتحول إلى فاعل سياسي متنكر في ثوب صحافة حرة. الحرية الصحفية الحقيقية لا تعني الوصاية ولا التدخل في سيادة الدول، بل تقوم على احترام الحقيقة وتقديم التحليل المتوازن بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة.

الرد الأمثل على مثل هذه المقالات هو التمسك بمسار التنمية والإصلاح الذي اختاره المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس، وإبراز ما تحقق من إنجازات ملموسة في الاقتصاد والبنية التحتية والدبلوماسية والطاقات المتجددة. أما الصحافة الأجنبية التي تتجاوز حدود المهنية، فهي مدعوة إلى مراجعة أسلوبها في الكتابة عن المغرب، لأن الشعبوية والتحيز ضد سيادة دولة مستقلة لا تفقد فقط ثقة القراء، بل تهدد أيضًا مصداقية أي جريدة كانت يومًا مرجعًا في التحليل الرصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى